غادرت القوات الفرنسية المنطقة الخاضعة لمسؤوليتها في أفغانستان (كابيسا وسوروبي). وقد يحذو حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة حذو الفرنسيين في أواخر العام 2014. وقد حان الوقت للجيش الأفغاني لكي يستعيد السيطرة على أراضيه، وأن يختار الأفغانُ مستقبلهم، من دون أن ينتظروا كل شيء منّا. وكان المزارعون الأفغان، على الخصوص، هم الذين قصرنا نحن في حقّهم فعاقبناهم لأننا اعتبرناهم إرهابيين. مثلما عاقبنا أنفسنا بخسران 88 جنديا قُتلوا أو أصيبوا أو شُوهوا. وتتكون حركة طالبان من متطرفين أجانب، ومن رؤساء سابقين لاجئين في باكستان، وأيضا من مزارعين رفضوا وجود قوات أجنبية، كما كانوا يفعلون في أيام احتلال السوفييت لبلادهم. وهم يريدون الدفاع عن تقاليدهم القديمة، حتى لو انضم إليهم جهاديون وباكستانيون وعرب وأوزبكيون، وطاجكيون. وهؤلاء الذين الذي كانوا يعامَلون بقدر كبير من التسامح، ويتلقون في بعض الأحيان المساعدة من المتمردين المحليين، لم يعودوا يتمتعون بذلك عندما صار الغربيون إزاءهم أكثر حذرَاً. وقد تم رحيل القوات الفرنسية من قاعدة نيجراب، التي شاهدتُها شخصياً من أعالي التلال التي زُرعت بأشجار اللوز بفضل قروض فرنسية، بنظام تام. وقد التحقت قوافل من الشاحنات المدرعة بكابول، من دون التعرض للهجوم، ترافقها طائرات الهليكوبتر.
لن يحدث تدفق لرجال طالبان على كابول في نهاية العام 2014. فقد تغيرت الظروف منذ زحفهم القوي ما بين العامين 1994 و1996. كانت كابول كانت آنذاك شبه خالية، وكانت البلاد ترزح تحت النار والدماء، بسبب الصراعات بين مختلف الفصائل. وقد اعتُبر استيلاؤهم على البلاد نوعاً من التحرر، وعودة إلى الأمن. ودفعت النساء الأفغانيات ثمن ظلامية هؤلاء المزارعين الذين طغى عليهم تنظيم القاعدة، لكنّ وضعهن لم يتحسن كثيرا في أيامنا هذه. وقد انضم مجاهدون سابقون، والحكومة الأفغانية، والطالبان الحاليون إلى أولئك، رغبة منهم في الإبقاء على المرأة في وضع أدنى. وعاد النبلاء البارزون في الحرب ضد السوفيات إلى السلطة في العام 2001، وتحولوا إلى رجال أعمال، واستولوا على أراض حكومية لإعادة بيعها للاجئين العائدين من إيران ومن باكستان، مستفيدين من ذلك بعقود أميركية ضخمة من خلال التعاقد من الباطن. لكنهم فقدوا مصداقيتهم، ناهيك عن أن معظمهم لم يحاربوا. والناس، كما سمعتُ في الريف، يطمحون إلى حكومة لا تتشكل من اللصوص. ويرغب الكثير من الشباب في الهجرة إلى خارج البلاد، كما هاجر أولئك الذين استفادوا من التسهيلات الأميركية، وقد أصبح هروبُ رؤوس الأموال من البلاد هائلا.
الشباب هناك منهكون بسبب الحرب وأيديولوجياتها. وقد احتكوا بالعالم الحديث وعايشوه خلال هجراتهم إلى إيران أو باكستان، واكتشفوا وثمنوا مزايا هذا العالم المختلف. وتقل أعمار نحو 65 ٪ من السكان الأفغان عن 25 عاما، وتضم كابول اليوم نحو 5 ملايين نسمة، أي خُمس مجموع السكان. وفي المدن، صارت المدارس الحكومية مكتظة بالفتيات والفتيان على السواء. ولا بد من توفير فرص العمل لجميع هؤلاء الشباب الذين لا يرغبون بتاتا في العودة إلى الظلامية، ولا إلى فساد بعض الزعماء. والجميع هناك، بمن فيهم المعارضون المسلحون، مغرمون بالهواتف النقالة. وقد صار التلفزيون، والمسلسلات التركية التي تعرض عالما حديثا، تشهد إقبالا كبيرا في كل مكان.
وقد بات الجيش الأفغاني متواجدا في البلاد الآن. ولكنْ، هل السلطات التي ستحكم هذا الجيش ستكون سلطات شرعية في نظر الشعب الأفغاني حقا؟ تجدر الإشارة في هذا الشأن أن قادةً سابقين في الحرب ضد السوفيات ينشغلون بالفعل في إعادة بناء ميليشيات محلية لن تكون خاضعة لسيطرة السلطة المركزية. ويجب على أفغانستان، هذا البلد الجبلي، المتميز بهُويات محلية قوية، أن يعمل على تحقيق بعض اللامركزية، على صورة الدول الغربية. وكان ما حدث بالفعل أن الولايات المتحدة أرادت أن تحوّلها إلى دولة مركزية، ذات سلطة قوية، ولذلك ألغت منصب رئيس الوزراء القائم منذ دستور العام 1964.
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس كرزاي لا يريد مراقبة أجنبية، من أي نوع كان، لا سيما في الانتخابات المقرر إجراؤها في شهر نيسان (أبريل) 2014. لكن بلاده تعتمد منذ خمسينيات القرن الماضي، وحتى قبل ذلك بكثير، على المساعدات الخارجية. فما من صناعة واحدة أعيد تشغيلها، وما من سدّ واحد صالح الآن، وما من نظام ريّ واحد مُهِمٍّ تمّ إصلاحه لحد الآن. ثم إن البلاد تستورد كل شيء من الخارج: لا شيء ينتَج فيها، باستثناء الفواكه والخضراوات. والمبادرة متروكة للقطاع الخاص وحده. وفي بلد دمّرته ثلاثون عاما من الحرب، باتت سيطرةُ الحكومة على البُنية التحتية فيه أمرًا ضروريا.
وقد ترددت إشاعات مفادها أن أفغانستان تمتلك ثروات معدنية هائلة. ولم يزد هذا سوى تأكيد الشعور بأن الغربيين لم يأتوا إلى هنا إلا للاستيلاء على هذه المعادن. فمن دون طاقة لمعالجة خام الحديد، أو النحاس في عين المكان، ومن دون وسائل نقل لتصدير هذه المعادن عبر الجبال، فإنه لن يكون هناك استغلال منجمي. ويكاد الصينيون يتخلون اليوم عن تعدين النحاس في منجم "ميس أيناك"، تاركين وراءهم علماء الآثار الدوليين (الذين يُموّلهم البنك الدولي)، للاستكشاف في الموقع البوذي الضخم، ليظلوا بذلك أكبر أرباب العمل في المنطقة. ولا بد من أن تستأنف أفغانستان وباكستان اللتان تعتمد عليهما الواردات والصادرات إلى حد كبير، علاقاتهما الطبيعية في يوم من الأيام.
لقد انتهى رحيل القوات العسكرية الفرنسية يوم 20 تشرين الثاني (نوفمبر). وتنص معاهدة التعاون الجديدة على استمرار تقديم المساعدات التقليدية: مدارس ثانوية للبنات، وثانوية الأولاد، وقسم للغة الفرنسية في الجامعة، والمعهد الفرنسي، والتعاون في المجالات العسكرية والقانونية والطبية والزراعية، ودعم البعثة الأثرية.
منذ العام 2009، وحتى تحاول "كسب القلوب والعقول" وتحقيق المهمة المستحيلة المتمثلة في تنسيق المساعدات مع الأعمال الحرية، تقوم مصلحة للأعمال "العسكرية المدنية" التابعة لوزارة الدفاع، وهي المصلحة التي تم إلغاؤها في العام 2012، بأعمال ذات طبيعة تتعلق بالمصلحة العامة، وبأنشطة إعادة التأهيل الزراعي في عشرات القرى الجبلية، بالاعتماد على منظمة فرنسية صغيرة غير حكومية. وقد استطاعت هذه الأشغال التي تحتاج إلى عدد كبير من الأيدي العاملة المحلية أن تساعد على احتواء التمرد: الري، وحفر الآبار، وتوفير المياه الصالحة للشرب، وإعادة تشجير الغابات، والتوسع في زراعة أشجار الفاكهة، وحماية التربة، وتوسيع مساحات الأراضي الصالحة للزراعة.
ولكن، ما الذي تركناه وراءنا من ذكريات بعد نفقات عسكرية بلغت مليارين من اليورو؟ إن موازنة أقل حجما من هذا المبلغ كانت كفيلة بأن تسهم في تحسين الظروف المعيشية المحلية التي باتت اليوم قاسية جدا في هذه الوديان التي تقع في كثير من الأحيان على ارتفاع يزيد على 2000 متر. وقد تلقت السفارة الفرنسية العشرات من الطلبات الخطية من مجتمعات محلية في محافظة كابيسا، تتعلق بإقامة مشاريع زراعية صغيرة، والتي ترغب هذه المجتمعات في إنجازها. وحتى يتحرروا من التمرد الذي تتسبب في إذكائه جماعاتٌ أجنبية، فقد عبّر لي المزارعون عن رغبتهم في أن تخصَّص لهم مساعدات مدنية صغيرة، خاضعة لمراقبة صارمة، مع تأمين وصولها إليهم مباشرة.
جويال تعمل في حدود آلية التعدين. نحن نستخدم المعدات ذات مستوى عالمي، والتكنولوجيا، والقدرة والدراية لتلبية احتياجات العملاء وتقديم قيمة على المدى الطويل.